الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
السير بكسر المهملة وفتح التحتانية: جمع سيرة، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته.
1551- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن عَطَاءَ بن السّائِبِ عن أبي البَخْتَرِيّ "أنّ جَيْشاً مِن جُيُوشِ المُسْلمينَ كان أمِيرَهُمْ سَلْمَانُ الفَارِسِيّ حَاصَرُوا قَصْراً مِن قُصُورِ فَارِسَ، فقالوا يا أبا عبدِ الله ألا نَنْهَدُ إليهم، قال: دَعُونِي أدْعُوهُم كما سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُم، فأَتَاهُم سَلْمَان فقال لهم: إنّمَا أنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ فَارِسيّ تَرَوْنَ العَرَبَ يُطِيعُونني، فإنْ أسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الذي لنا، وعَلَيْكُمْ مِثْلُ الذي عَلَيْنَا، وإنْ أبَيْتُمْ إلاّ دِينَكُم تَرَكْنَاكُمْ عَلَيْهِ وأعطُونا الْجِزْيَةَ عَن يدٍ وأنتمُ صَاغِرُونَ. قالَ: وَرَطَنَ إليهم بالفارِسيّةِ وأنتمُ غَيْرُ مَحْمُودِينَ وإنْ أبَيْتُم نَابَذْنَاكُمْ على سَوَاء. قالوا: ما نَحْنُ بالّذِي نعطى الْجِزْيَةَ ولَكِنّا نقَاتِلكُمْ. فقالوا يا أبا عبدِ الله ألا نَنْهَدُ إليهم؟ قال: لا، قال: فدعاهم ثلاثةَ أيّامٍ إلى مِثْلِ هذا ثُمّ قال: انْهَدُوا إليهم، قال: فَنَهَدْنَا إليهم فَفَتَحْنَا ذَلِكَ القَصْرَ". قال وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ والنعمانِ بنِ مُقَرّنٍ وابنِ عُمَر وابنِ عباسٍ. وحديثُ سلمانَ حديثٌ حسنٌ لا نعرِفُهُ إلاّ من حديثِ عَطَاءِ بن السّائِبِ. وسَمِعْتُ محمداً يقولُ: أبو البَخْتَرِيّ لم يُدْرِكْ سلمانَ لأنه لمْ يُدْرِك عَلِيّا، وسلْمَانُ مات قَبْلَ عَلِيّ. وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم إلى هذا ورَأَوْا أنْ يُدْعُوا قبلَ القِتَالِ. وهو قولُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ. قال: إن تَقَدّم إليهم في الدّعْوَةِ فَحَسَنٌ يكونُ ذلكَ أهْيَبَ. وقالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ: لا دَعْوَةَ اليومَ. وقال أحمدُ: لا أعْرِفُ اليومَ أحداً يُدْعَى. وقال الشافعيّ: لا يُقَاتَلُ الْعَدُوّ حتّى يُدْعَوْا إلاّ أن يَعْجَلُوا عن ذلك، فإنْ لَم يَفْعلْ فقد بلغَتْهم الدعوةُ. قوله: (عن أبي البختري) بفتح الموحدة والمثناة بينهما خاء معجمة ساكنة اسمه سعيد بن منصور بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الإرسال من الثالثة (ألا ننهد إليهم) أي لا ننهض إليهم (قال دعوني) أي اتركوني (أدعوهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم) أي إلى الإسلام، فإن أبوا فإلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فإن أبوا فإلى القتال (فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا) أي من الغنيمة والفيء (وعليكم مثل الذي علينا) أي من أحكام المسلمين من الحدود ونحوها (وأعطونا الجزية عن يد) حال من الضمير أي عن يد مواتية بمعنى منقادين، أو عن يدكم بمعنى مسلمين بأيديكم غير باعثين بأيدي غيركم، أو عن غنى، ولذلك لا تؤخذ من الفقير، أو حال من الجزية بمعنى نقداً مسلمة عن يد إلى يد، أو عن إنعام عليكم، فإن إبقاءكم بالجزية نعمة عظيمة (وأنتم صاغرون) حال ثان من الضمير أي ذليلون (ورطن إليهم بالفارسية) أي تكلم فيها (وإن أبيتم نابذناكم على سواء) قال الجزري في النهاية: أي كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستو في العلم بالمنابذة منا ومنكم بأن نظهر لهم العزم على قتالهم ونخبرهم به إخباراً مكشوفاً. والنبذ يكون بالفعل والقول في الأجسام والمعاني، ومنه نبذ العهد: إذا أنقضه وألقاه إلى من كان بينه وبينه انتهى. قوله: (وفي الباب عن بريدة الخ) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم. وأما حديث النعمان فلينظر من أخرجه، وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عنه قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم. وأخرجه الحاكم أيضاً. قال في مجمع الزوائد: أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح. قوله: (وحديث سلمان حديث حسن) وأخرجه أحمد. قوله: (ورأوا أن يدعوا) بصيغة المجهول أي العدو (وهو قول إسحاق بن إبراهيم) يعني إسحاق بن راهويه (وأن تقدم) بصيغة المجهول من التقدم (وقال بعض أهل العلم لا دعوة اليوم الخ). قال الحافظ في الفتح: ذهب طائفة منهم عمر ابن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعي، نصل عليه الشافعي. وقال مالك: من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام، ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال: كنا ندعو وندع، قال الحافظ: وهو منزل على الحالين المتقدمين انتهى.
1552- حدثنا محمدُ بن يَحْيى العَدَنِي الْمَكّيّ ويُكْنَى بأبي عبدِ الله الرجل الصالح هو ابن أبي عمر حدثنا سُفيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبدِ الملكِ بن نَوْفَلِ بن مُساحِقٍ عن ابن عِصَامٍ المُزَنِيّ عن أبيه وكانت له صُحْبَةٌ قال: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ جَيْشاً أو سَرِيّةً يقولُ لهم: إذا رأيْتُمْ مَسْجِداً أو سَمِعْتُمْ مُؤَذّناً فلا تَقْتُلُوا أحداً". هذا حديثٌ غريبٌ. وهو حديثُ ابن عُيَيْنَةَ. قوله: (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً) أي إذا حققتم علامة فعلية أو قولية من شعائر الإسلام (فلا تقتلوا أحداً) أي حتى تميزوا المؤمن من الكافر. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود.
جمع الغارة، قال في مجمع البحار: تبييت العدو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة وهو البيات، انتهى. وقال فيه: أغار أي هجم عليهم من غير علم، والغارة اسم من الإغارة. 1553- حدثنا الأنصاري حدثنا مَعْنٌ حدثني مالكُ بن أنسٍ عن حُمَيْدٍ عن أنَسٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حينَ خَرَجَ إلى خَيْبَرَ أتاها لَيْلاً وكان إذا جَاء قوماً بِلَيْلٍ لم يُغِرْ عليهم حتى يُصْبِحَ، فلما أصْبَحَ خَرَجَتْ يهوُدُ بِمَسَاحِيهم ومَكَاتِلِهِمْ، فلما رأوْهُ قالُوا: محمدٌ، وافقَ والله محمدٌ الخميسَ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبرُ خَرِبَتْ خَيْبُرُ، إنّا إذا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قومٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ". 1554- حدثنا قُتَيْبَةُ ومحمدُ بن بَشّارٍ قالا حدثنا مُعَاذُ بن معاذٍ عن سعيدِ بن أبي عَرُوبَةَ عن قتادةَ عن أنَسٍ عن أبي طلحةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا ظَهَرَ على قَوْمٍ أقامَ بِعَرْصَتِهِم ثَلاَثاً. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وحديثٌ حُمَيْدٍ عن أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رَخّصَ قَوْمٌ من أهلِ العلمِ في الغَارَةِ باللّيْلِ وأن يُبَيّتُوا. وكَرِهَهُ بعضُهُم. وقال أحمدُ وإسحاقُ: لا بأسَ أنْ يُبَيتَ العَدُوّ ليلاً. ومعنى قولِهِ وافقَ محمدٌ الخميسَ: يَعْنِي به الْجَيْشَ. قوله: (وكان إذا جاء بقوم ليلاً لم يغر عليهم) من الإغارة (حتى يصبح) ليعرف بالأذان أنه بلاد الإسلام فيمسك أو أنه من بلاد الكفار فيغير (خرجت يهود بمساحيهم) جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد وميمه زائدة من السحو بمعنى الكشف والإزالة لما يكشف به الطين عن وجه الأرض (ومكاتلهم) جمع مكتل بكسر الميم وهو الزنبيل الكبير (قالوا محمد) أي هذا محمد أو جاء محمد (وافق والله محمد الخميس) بالنصب والمعنى جاء محمد مع الخميس وهو الجيش سمي به لأنه مقسم خمسة: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب (خربت خيبر) خبراً أو دعاء (إنا) أي معشر الإسلام أو معاشر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (وإذا نزلنا بساحة قوم) قال الطيبي: جملة مستأنفة بيان لموجب خراب خيبر. وقوله الله أكبر فيه معنى التعجب من أنه تعالى قدر نزوله بساحتهم بعد ما أنذروا أثم أصبحهم وهم غافلون عن ذلك. وفي شرح مسلم الساحة الفضاء وأصلها الفضاء بين المنازل (فساء صباح المنذرين) بفتح الذال المعجمة أي الكفار واللام للعهد. أي بئس صباحهم لنزول عذاب الله بالقتل والإغارة عليهم إن لم يؤمنوا. وفيه اقتباس من قوله تعالى: "أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين". قوله: (كان إذا ظهر على قوم) أي غلب عليهم (أقام بعرصتهم) العرصة بفتح المهملتين وسكون الراء بينهما: هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها (ثلاثاً) وفي رواية البخاري ثلاث ليال. قال المهلب: حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس ولا يخفى أن محله إذا كان في أمن من عدو طارق. والإقتصار على ثلاث يؤخذ منه أن الأربعة إقامة. وقال ابن الجوزي: إنما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الاحتفال فكأنه يقول: من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين. وإذا كان ذلك في حكم الضيافة، ناسب أن يقيم عليها ثلاثاً، لأن الضيافة ثلاثة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وحديث حميد عن أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
1555- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن نافعٍ عن ابن عُمرَ أنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَرّقَ نَخْلَ بَنِي النّضِيرِ وقَطَعَ، وهي البُوَيْرَةُ، فأنْزَلَ الله: {ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَليُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}. وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد ذَهَبَ قَوْمٌ من أهلِ العلمِ إلى هذا ولم يَرَوْا بأْساً بِقَطْعٍ الأشجَارِ وتَخْرِيبِ الْحُصُونِ. وَكَرِهَ بعضُهم ذلك، وهو قولُ الأوْزَاعِيّ. قال الأوْزَاعِيّ: ونَهَى أبو بَكْرٍ الصّدّيقُ يزيد أنْ يقْطَعَ شجراً مُثْمِراً أو يُخَرّبَ عامراً وعمِلَ بذلكَ المُسْلِمُونَ بعدَه. وقال الشافعي: لا بأسَ بالتحريقِ في أرْضِ العَدُوّ وقَطْعِ الأشْجَارِ والثّمَارِ وقال أحمدُ: وقد تكُونُ في مَوَاضِعَ لا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدّا، فأما بالعَبثِ فلا تُحَرّقُ. وقال إسحاقُ: التّحْرِيقُ سُنّةٌ إذا كانَ أنْكَى فيهِم. قوله: (حرق) بتشديد الراء (نخل بني النضير وقطع) أي أمر بتحريق نخلهم وقطعها وهم طائفة من اليهود وقصتهم مشهورة مذكورة في كتب السير كالمواهب وفي تفسير سورة الحشر كالبغوي (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو: موضع نخل لبني النضير (ما قطعتم من لينة) أي أي شيء قطعتم من نخله (أو تركتموها) الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة (قائمة على أصولها) أي لم تقطعوها (فبإذن الله) أي فبأمره وحكمه المقتضى للمصلحة والحكمة (وليخزي الفاسقين) أي وفعتلم أو أذن لكم في القطع بهم ليجزيهم على فسقهم. واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم. قال النووي: اللينة المذكورة في القرآن هي أنواع التمر كلها إلا العجوة. وقيل كرام النخل، وقيل كل النخل، وقيل كل الأشجار، وقيل إن أنواع نخل المدينة مائة وعشرون نوعاً. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) لينظر من أخرجه. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى هذا الخ) قال القاري: وفي هذا الحديث جواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه قال الجمهور، وقيل لا يجوز. قال ابن الهمام: يجوز ذلك لأن المقصود كبت أعداء الله وكسر شوكتهم وبذلك هذا يحصل ذلك فيفعلون ما يمكنهم من التحريق وقطع الأشجار وإفساد الزرع. لكن إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها انتهى. قوله: (وكره بعضهم ذلك وهو قول الأوزاعي. قال الأوزاعي: ونهى أبو بكر الصديق أن يقطع شجراً مثمراً أو يخرب عامراً، وعمل بذلك المسلمون بعده). قال الحافظ في الفتح: ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه ألا يفعلوا أشياء من ذلك.، وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال، كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم ونحو ذلك القتل بالتغريق، وقال غيره إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد إبقاءها على المسلمين انتهى. قوله: (وقال أحمد: وقد تكون في مواضع لا يجدون منه بداً) المعنى أن الجيوش قد يحتاجون إلى التحريق والتخريب ولا يكون لهم بد من ذلك فحينئذ يجوز (فأما بالبعث) أي من غير ضرورة وحاجة (فلا تحرق) وكذا لا تخرب (إذا كان أنكى فيهم) أنكى أفعل التفضيل من النكاية، قال في القاموس: نكى العدو، وفي نكاية، قتل وجرح. وقال في الصراح: نكاية جراحت كردن وبد سكاليدن وكشتن دشمن رامن باب ضرب يضرب.
1556- حدثنا محمدُ بنِ عُبَيْدٍ المُحَارِبيّ، حدثنا أسْبَاطُ بنُ محمدٍ عن سُلَيْمانَ التّيْمِيّ عن سَيّارٍ عن أبي أُمَامَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فَضّلَنِي على الأنْبِيَاءِ، أو قال أُمّتِي على الأمَمِ، وأحَلّ لنا الغَنَائِمَ". وفي البابِ عن عَلي وأبي ذَر وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو وأبي موسى وابنِ عباسٍ. قال أبو عيسى حديث أبي أُمَامَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وسَيّارٌ هذا يُقَالُ له سَيّارٌ مَوْلَى بَنِي مُعَاوِيَةَ وَرَوَى عنه سليمانُ التّيْمِيّ وعبدُ الله بنُ بَحِيرٍ وغيرُ واحدٍ. حدثنا عليّ بن حُجْرٍ حدثنا إسماعيلُ بن جَعْفَرٍ عن العَلاءِ بن عبدِ الرحمَنِ عن أبيهِ عن أبي هريرةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "فُضّلْتُ على الأنْبِيَاءِ بِسِت: أُعْطِيَتُ جَوَامِعَ الكَلمِ، ونُصْرِتُ بالرّعْبِ، وأُحِلّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مسجِداً وطَهُوراً، وأُرْسِلَتْ إلى الْخَلْقِ كافّةً، وخُتِمَ بِيَ النّبِيّونَ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن سيار) بمهملة بعدها تحتانية مشددة وآخره راء. قوله: (أو قال أمتي على الأمم) أو للشك، أي إما قال فضلني على الأنبياء أو قال فضل أمتي على الأمم (وأحل لنا الغنائم) قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا أشياء لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته، وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف شاء، والأول أصوب وهو إن مضى لم تحل لهم الغنائم أصلاً قاله الحافظ. قوله: (وفي الباب عن علي وأبي ذر وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وابن عباس) أما حديث علي فلينظر من أخرجه. وأما حديث أبي ذر وغيره فأخرجه أحمد في مسنده بأسانيد حسان. قاله الحافظ في الفتح في كتاب التيمم تحت حديث جابر بن عبد الله بمعنى حديث الباب. قوله: (حديث أبي أمامة حديث حسن صحيح) تفرد به الترمذي، وأخرج البخاري وغيره معناه من حديث جابر بن عبد الله (وسيار هذا يقال له سيار مولى بني معاوية الخ). قال الحافظ في الفتح: تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات انتهى. وقال في التقريب: سيار الأموي مولاهم الدمشقي قدم بالبصرة صدوق من الثالثة قيل اسم أبيه عبد الله. قوله: (فضلت) بصيغة المجهول من التفضيل (على الأنبياء بست) أي بست خصال (أعطيت جوامع الكلم) قال الحافظ: جوامع الكلم القرآن، فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك انتهى. وقال ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم ما لفظه: جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: أحدهما ما هو في القرآن كقوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) قال الحسن: لم تترك هذه الاَية خيراً إلا أمرت به ولا شراً إلا نهيت عنه. والثاني ما هو في كلامه صلى الله عليه وسلم وهو منتشر موجود في السنن المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم انتهى. (ونصرت بالرعب) زاد أبي أمامة يقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد، وفي حديث جابر بن عبد الله المتفق عليه: نصرت بالرعب مسيرة شهر، قال الحافظ: مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر، فالظاهر اختصاصه به مطلقاً، وإنما جعل الغاية منها شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده فيه احتمال انتهى. (وأحلت لي الغنائم) زاد في حديث جابر رضي الله عنه: ولم تحل لأحد قبلي (وجعلت لي الأرض مسجداً) أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازاً عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كان كالمسجد في ذلك، قال ابن التيمي: قيل المراد جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وجعلت لغيري مسجداً ولم تجعل له طهوراً، لأن عيسى كان يسبح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، وسبقه إلى ذلك الداؤدي، وقيل إنما أبيح لهم في موضع تيقنوا طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته، قال الحافظ: والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة، كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم، وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية. ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب وفيه: ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه (وطهوراً) استدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره، لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سبق لإثباتها، وقد روى ابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: جعلت لي كل الأرض طيبة مسجداً وطهوراً، ومعنى طيبة طاهرة فلو كان معنى طهوراً طاهراً للزم تحصيل الحاصل (وأرسلت إلى الخلق كافة). وفي حديث جابر: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. قال الحافظ: ولا يعترض بأن نوحاً عليه السلام كان مبعوثاً إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من كان مؤمناً معه، وقد كان مرسلاً إليهم، لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتفق بالحادث الذي وقع هو انحصار الخلق في الموجودين، بعد هلاك سائر الناس. وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشافعية: أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مراداً فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم (وختم بي النبيون) فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
1557- حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ و حُمَيدُ بن مَسْعَدَةَ قالا: حدثنا سُلَيْمُ بنُ أخْضَرَ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمر عن نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَسمَ في النّفْلِ للفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وللرجُلِ بِسَهْمٍ". حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِي عن سُلَيْمِ بنِ أخْضَرَ نحوَه. وفي البابِ عن مُجَمّعِ بن جاريةَ وابن عباسٍ وابنِ أبي عَمْرَةَ عن أبيهِ. وهذا حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أكثر أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم. وهو قولُ سُفيَانَ الثوريّ والأوزاعيّ ومالكِ بن أنَسٍ وابنِ المبارَكِ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ قالوا: للفارِسِ ثلاثةُ أسْهُمٍ، سَهْمٌ له وسهمانِ لفَرَسِهِ، وللراجِلِ سَهْمٌ. قوله: (قسم في النفل) أي الغنيمة، قال في النهاية: النفل بالتحريك الغنيمة وجمعه أنفال (وللرجل بسهم)، المراد من الرجل صاحب الفرس، والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس ثلاثة أسهم، سهماً له وسهمين لفرسه، يدل عليه رواية أحمد وأبي داود بلفظ: أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، وفي لفظ: أسهم للفرس سهمين وللرجل سهماً متفق عليه. قوله: (وفي الباب عن مجمع بن جارية وابن عباس وابن أبي عمرة عن أبيه) أما حديث مجمع وهو بضم الميم الأولى وفتح الجيم وكسر الميم الثانية المشددة، فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثة مائة فارس، فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً. وقال أبو داود: إن حديث ابن عمر أصح قال: وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاث مائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين. وأما حديث ابن أبي عمرة عن أبيه فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ومعنا فرس، فأعطى كل إنسان منا سهماً وأعطى الفرس سهمين، واسم هذا الصحابي عمرو بن محسن كذا في المنتقى. قوله: (وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان، وله ألفاظ في الصحيحين وغيره. قوله: (قالوا للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهماً لفرسه، وللراجل سهم) وهو قول أبي يوسف ومحمد صحابي أبي حنيفة، وهو القول الراجح، واحتجوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه. وقال أبو حنيفة رحمه الله: للفارس سهمان وللراجل سهم، واستدل له بما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فيما أخرجه الدارقطني بلفظ: أسهم للفارس سهمين. وأجاب الحافظ في الفتح عن ذلك بأنه لا حجة فيه، لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به، وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس. وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن أبي شيبة، وكأن الرمادي رواه بالمعنى. وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معاً بلفظ: أسهم للفرس، وعلى هذا التأويل أيضاً يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي، أخرجه الدارقطني. وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ: أسهم للفرس. واستدل له أيضاً بحديث مجمع بن جارية الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه وفيه: فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً. وأجاب عنه الحافظ بأن في إسناده ضعفاً، ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت ومع رواتها زيادة علم. وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين، ولكل إنسان سهماً، فكان للفارس ثلاثة أسهم، وللنسائي من حديث الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهماً له وسهماً لقرابته. وقد استدل لأبي حنيفة بدلائل أخرى لا يخلو واحد منها عن كلام قادح للاستدلال.
جمع السرية وهي قطعة من الجيش. قال في النهاية السرية هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربع مائة تبعث إلى العدو، وجمعها السرايا، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس. 1558- حدثنا محمدُ بن يحيى الأزديّ البَصْرِيّ و أبو عَمّارٍ وغيرُ واحدٍ قالوا حدثنا وَهْبُ بن جَرِيرٍ عن أبيهِ عن يونُسَ بن يَزِيدَ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بن عبدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الصّحَابَةِ أرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السّرَايا أرْبَعُمَائَةٍ، وخَيْرُ الْجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ، ولا يُغلَبُ اثنا عشَرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا يسْندهُ كبيرُ أحدٍ غَيْرُ جَرِيرِ بن حَازِمٍ وإنّمَا رُوِيَ هذا الحديثُ عن الزّهْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. وقد رَوَاهُ حِبّانُ بن علي الْعَنزِيّ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله عن ابنِ عباسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَاهُ اللّيْثُ بن سعدٍ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. قوله: (خير الصحابة) بالفتح جمع صاحب ولم يجمع فاعل على فعالة غير هذا كذا في النهاية (أربعة) أي ما زاد عن ثلاثة، قال أبو حامد: المسافر لا يخلو عن رحل يحتاج إلى حفظه، وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها، ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد، واحداً فيبقى بلا رفيق، فلا يخلو عن خطر وضيق قلب، لفقد الأنيس، ولو تردد اثنان كان الحافظ وحده، قال المظهر: يعني الرفقاء إذا كانوا أربعة خير من أن يكونوا ثلاثة، لأنهم إذا كانوا ثلاثة، ومرض أحدهم، وأراد أن يجعل أحد رفيقيه وصى نفسه، لم يكن هناك من يشهد بإمضائه إلا واحد، فلا يكفي، ولو كانوا أربعة كفى شهادة اثنين. ولأن الجمع إذا كانوا أكثر يكون معاونة بعضهم بعضاً أتم، وفضل صلاة الجماعة أيضاً أكثر، فخمسة خير من أربعة وكذا كل جماعة خير ممن هو أقل منهم لا ممن فوقهم (وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يغلب) بصيغة المجهول أي لا يصير مغلوباً (اثنا عشر ألفاً) قال الطيبي: جميع قرائن الحديث دائرة على الأربع واثنا عشر ضعفاً أربع، ولعل الإشارة بذلك إلى الشدة والقوة واشتداد ظهرانيهم تشبيهاً بأركان البناء، وقوله من قلة معناه أنهم صاروا مغلوبين لم يكن للقلة بل لأمر آخر سواها، وإنما لم يكونوا جيش قوبل بالميمنة أو الميسرة أو القلب فليكفها، ولأن الجيش الكثير المقاتل منهم بعضهم، وهؤلاء كلهم مقاتلون. ومن ذلك قول بعض الصحابة يوم حنين، وكانوا اثني عشر ألفاً لن نغلب اليوم من قلة، وإنما غلبوا من إعجاب منهم، قال تعالى: (ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) وكان عشرة آلاف من أهل المدينة وألفان من مسملي فتح مكة. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والدارمي والحاكم وسكت عنه أبو داود، واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي، وقال الحاكم هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. قوله: (وقد رواه حبان بن علي العتري) بفتح العين والنون ثم زاي، أبو علي الكوفي ضعيف من الثامنة.
قال في النهاية: الفيء هو ما حصل المسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصل الفيء الرجوع كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم انتهى. والظاهر أن المراد من الفيء هنا مال الغنيمة. 1559- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حاتمُ بنُ إسماعيلَ عن جعفرِ بنِ محمدٍ عن أبيه عن يزيدَ بن هُرْمَز: "أنّ نَجْدَةَ الْحَرُورِي كَتَبَ إلى ابنِ عباسٍ يَسْأَلهُ هَل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بالنّسَاءِ؟ وهل كانَ يَضْرِبُ لَهُنّ بِسَهْمٍ؟ فكتَبَ إليه ابنُ عباسٍ: كَتَبْتَ إلَيّ تَسْأَلُنِي هَل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بالنّسَاءِ، وكانَ يَغْزُو بِهِنّ فيُدَاوِينَ المَرْضَى ويُحْذَينَ من الغَنِيمَةِ، وأمّا بسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ بِسَهْمٍ". وفي البابِ عن أنسٍ وأُمّ عَطِيّةَ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ العلمِ وهو قولُ سفيانَ الثوريّ والشافعيّ. وقال بعضُهم: يُسْهِمُ للمرأةِ والصّبيّ وهو قولُ الأوزاعيّ. قال الأوزاعيّ: وأسْهَمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم للصّبْيَان بِخَيْبَرَ وأسْهَمَتْ أئمّةُ المسلمينَ لكُلّ مَوْلُودٍ وُلِدَ في أرْضِ الْحَرْبِ قال الأوزاعيّ: وأسْهَمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم للنّسَاء بِخَيْبَرَ، وأخَذَ بذلكَ المسلِمُونَ بعدَهُ. حدثنا بذلكَ علي بن خَشْرَمٍ، حدثنا عيسى بن يونسَ عن الأوزاعيّ بهذَا. ومَعْنَى قولِهِ ويُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ يقولُ يُرْضَخُ لَهُنّ بشيء من الغَنِيمَةِ يُعْطِينَ شَيْئاً. قوله: (عن يزيد بن هرمز) المدني مولى بني ليث، وهو غير يزيد الفارسي على الصحيح وهو والد عبد الله ثقة من الثالثة (أن نجدة) بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة (الحروري) نسبة إلى قرية حروراء بفتح حاء مهملة وضم راء أولى مخففة وكسر ثانية، وبينهما واو ساكنة وبالمد هي قرية بالكوفة: ونجدة هذا هو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدان محركة. قوله: (يحذين) بصيغة المجهول من الحذو بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي يعطين، قال في القاموس: الحذوة بالكسر العطية (وأما يسهم بصيغة المعلوم من الإسهام)، والحديث دليل على أن النساء إذا حضرت القتال مع الرجال لا يسهم لهن بل يعطين شيئاً من الغنيمة. قوله: (وفي الباب عن أنس وأم عطية) لينظر من أخرج حديثهما. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود. قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) وهو الأقوى دليلاً (وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي) قال الخطابي: إن الأوزاعي قال يسهم لهن، قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد وإسناده ضعيف لا تقوم به حجة انتهى وحديث حشرج أخرجه أحمد وأبو داود عنه عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه لغضب فقال: مع من خرجتن وبإذن من خرجتن، فقلنا يا رسول الله: خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحى، ونناول السهام، ونسقي السويق، قال قمن فانصرفن، حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم الرجل، قال: فقلت لها يا جدة، وما كان ذلك؟ قالت: تمراً؟ قال الشوكاني في النيل: وأخرجه أيضاً النسائي وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده رجل مجهول وهو حشرج. وقال الخطابي إسناده ضعيف لا تقوم به حجة انتهى. (قال الأوزاعي: وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بخيبر الخ) هذا مرسل والمرسل لا تقوم به حجة على القول الراجح (يقول يرضخ لهن) بصيغة المجهول من الرضخ، قال في القاموس: رضخ له أعطاه عطاء غير كثير.
1560- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا بِشْرُ بن المُفَضّلِ عن محمدِ بن زَيْدٍ عن عُمَيْرٍ مَوْلَى أبِي اللّحْمِ، قال: "شَهِدْتُ خَيْبَرَ مع سَادَتي فكلّمُوا فيّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكَلمُوهُ أنّي مَمْلُوكٌ. قال: فأَمَرَني فَقُلّدْتُ السّيْفَ فإذا أنا أَجُرّهُ فأَمَرَ لي بِشَيْءٍ من خرثى المتَاعِ، وعَرَضْتُ عليه رُقْيَةً كُنْتُ أرْقِي بِهَا المجَانينَ، فأَمَرَنِي بِطَرْحِ بعضِها وحَبْسِ بعضِها". وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ أن لا يُسْهَمَ لِلْمَمْلُوكِ، ولكن يُرْضَخُ له بِشَيْءٍ، وهو قَوْلُ الثّوْرِيّ والشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ. قوله: (عن عمير) بالتصغير قال في التقريب: عمير مولى آبي اللحم الغفاري صحابي شهد خيبر (مولى آبي اللحم) هو اسم فاعل من أبي يأبى، قال أبو داود: قال أبو عبيدة: كان حرم اللحم على نفسه فسمى آبي اللحم (مع سادتي) جمع سيد (فكلموا فيّ) بتشديد الياء (وكلموه أني مملوك) قال الطيبي: عطف على قوله، فكلموا فيّ، أي كلموا في حقي وشأني أولاً بما هو مدح لي، ثم أتبعوه بقولهم إني مملوك انتهى (فقلدت السيف) بصيغة المجهول من التقليد، قال في المجمع: أي أمرني أن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة: فإذا أنا أجره، أي أجر السيف على الأرض من قصر قامتي لصغر سني (فأمرني بشيء من خرثي المتاع) بالخاء المعجمة المضمومة، وسكون الراء المهملة بعدها مثلثة، وهو سقطة في النهاية هو أثاث البيت، قال في القاموس: الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم (وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها) أي بإسقاط بعض كلماتها التي تخالف القرآن والسنة: وإبقاء بعضها التي ليست كذلك، وفيه دليل على جواز الرقية من غير القرآن والسنة بشرط أن تكون خالية عن كلمات شركية وعما منعت عنه الشريعة. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه) أخرجه أحمد. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أن لا يسهم للمملوك الخ) وهو القول الراجح المعول عليه.
1561- حدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ حدثنا مالكُ بن أنسٍ عن الفُضَيْلِ بن أبي عبدِ الله بن ديَنارٍ الأسْلَمِيّ عن عُرْوَةَ عن عائِشَةَ: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلى بَدْرٍ حتى إذا كان بحَرّةِ الوَبرِ لَحِقَه رجُلٌ مِن المُشْركِينَ يَذْكُرُ مِنْهُ جُرْأَةً ونَجْدَةً، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تُؤْمِنُ بالله ورسولهِ؟ قال: لا، قال: ارْجعْ فَلَنْ أسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ". وفي الحديث كَلاَمٌ أكْثَرُ مِنْ هذا. هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ، قالوا: لا يُسْهَمُ لأَهْلِ الذّمّةِ وإنْ قاتَلُوا مع المُسْلِمِينَ الْعَدُوّ. ورَأَى بعضُ أهلِ الْعِلْمِ أنْ يُسْهَمَ لهم إذا شَهِدُوا القتَالَ مع المسْلِمِينَ. وَيُرْوَى عن الزّهْرِيّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ قاتَلُوا مَعَهُ. حدثنا بذلك قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ أخبرنا عبدُ الوارثِ بن سعيدٍ عن عروة بن ثابتٍ عن الزّهْرِيّ. هذا حديث حسن غريب. 1562- حدثنا أبو سَعيدٍ الأشَجّ، حدثنا حَفْصُ بن غِيَاثٍ، حدثنا بُرَيْدُ بن عبدِ الله بن أبي بُرْدَةَ، عن جَدّهِ أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى: "قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في نَفَرٍ مِنَ الأشعَريّينَ خَيْبَرَ فأَسْهَمَ لنا مع الّذِينَ افْتَتَحُوهَا". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. والعَملُ على هذا عِنْدَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ قال الأوْزَاعِيّ مَن لَحِقَ بالمسْلِمينَ قَبْلَ أنْ يُسْهَمَ للخَيْلِ أُسْهِمَ لَهُ وبريد يكنى أبا بريدة وحوثقة وروى عن سفيان الثاوري وابن عينية وغيرهما. قوله: (حتى إذا كان بحرة الوبر) الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، والوبر بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء وبسكون الموحدة أيضاً: موضع على أربعة أميال من المدينة (يذكر منه جرأة ونجدة) بفتح النون وسكن الجيم أي شجاعة. قوله: (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) أي روي هذا الحديث مطولاً رواه أحمد ومسلم بطوله. ففي المنتقى عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال: جئت لأتبعك فأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت: ثم مضى حتى إذا بلغ كان بالشجرة أدركه الرجل فقال هل كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أو مرة، فقال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قال فرجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال له أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فقال له فانطلق. قوله: (هذا حديث حسن غريب) أخرج أحمد ومسلم مطولاً كما عرفت الاَن. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع المسلمين العدو) وهو القول الراجح (ويروى عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه) هذا مرسل. وأخرجه أيضاً أبو داود في المراسيل، ومراسيل الزهري ضعيفة. واستدل به من قال إن أهل الذمة يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين. قال الشوكاني في النيل: والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين، وما ورد من الأحاديث مما فيه إشعار بأن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لأحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعاً بين الأحاديث. وقد صرح حديث ابن عباس يعني المذكور في باب من يرضخ له من الغنيمة بما يرشد إلى هذا الجمع، فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم، وأثبت الحذية وهكذا حديثه الاَخر، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش، وهكذا حديث عمير المذكور فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رضخ له بشيء من الأثاث ولم يسهم له، فيحمل ما وقع في حديث حشرج من أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة، وهكذا يحمل ما وقع في مرسل الزهري المذكور من الإسلام لقوم من اليهود، وما وقع في مرسل الأوزاعي المذكور أيضاً من الإسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف انتهى كلام الشوكاني. قلت: أراد بالمصنف صاحب المنتقى فإنه قال بعد ذكر مرسل الأوزاعي وغيره ما لفظه: ويحمل الإسهام فيه وفيما قبله على الرضخ انتهى. قوله: (قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) ذكر الترمذي هذا الحديث مختصراً وذكره الشيخان مطولاً (فأسهم لنا مع الذين افتتحوها) أستدل به من قال إنه يسهم لمن حضر بعد الفتح قبل قسمة الغنيمة. قال ابن التين: يحتمل أن يكون إنما أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها، وهو أحد الأقوال للشافعي. قال ابن بطال: لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلاً يقاس عليه، فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم، وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم. وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم. ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغ من القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة عن عمرقال: الغنيمة لمن شهد الوقعة، وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً وقال الصحيح موقوف، وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن علي موقوفاً، ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع كذا في النيل. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) وفي بعض النسخ عند بعض أهل العلم وهو الظاهر.
1563- حدثنا زَيْدُ بن أخْزمَ الطّائِيّ، حدثنا أبو قُتَيْبَةَ مسلم بن قُتَيْبَةَ، حدثنا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن أبي قِلاَبَةَ عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشنِيّ قال: "سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قُدُورِ المَجُوسِ. فقال: أنقُوها غَسْلاً واطْبُخُوا فيها، ونَهَى عن كُلّ سَبُعٍ وذِي نَابٍ". وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِن غَيْرِ هذا الوجْهِ عن أبي ثَعْلَبَةَ. ورَوَاهُ أبو إدريسَ الْخَولانيّ عن أبي ثَعْلَبَةَ وأبو قِلاَبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِن أبي ثَعْلَبَةَ. إنّمَا رَوَاهُ عن أبي أسماء عن أبي ثَعْلَبَةَ. حدثنا هَنّادٌ، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ عن حَيْوَةَ بن شُرَيْحٍ. قال: سَمِعْتُ ربيعَةَ بنَ يَزِيدَ الدّمَشْقِيّ يقولُ: أخْبَرَنِي أبو إدريسَ الْخَوْلاَنِيّ عائِذُ الله بنُ عُبَيْدِ الله. قال سَمِعْتُ أبَا ثَعْلَبَةَ الخُشنّى يقول: "أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يَا رسولَ الله إنّا بأرْضِ قَوْمٍ أهْلِ كِتَابٍ نأْكُلُ في آنِيَتِهِمْ. قال: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فلا تَأْكُلُوا فيها، فإن لم تَجِدُوا فاغْسِلُوهَا وكُلُوا فيها". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة بعدها عين مهملة ساكنة فلام مفتوحة فموحدة (الخشني) بضم الخاء المعجمة فشين معجمة مفتوحة فنون نسبة إلى خشين ابن نمرة في قضاعة اسمه جرهم بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وضرب له بسهم يوم خيبر وأرسله إلى قومه فأسلموا، نزل بالشام ومات بها سنة خمس وسبعين. قوله: (عن قدور المجوس) أي عن الطبخ فيها، والقدور جمع القدر بكسر القاف وسكون الدال (انقوها) من الإنقاء (غسلاً) تمييز (واطبخوا فيها) أي بعد الإنتقاء بالغسل. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر رواية الترمذي هذه، وفي لفظه من وجه آخر عن أبي ثعلبة قلت إنما نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث انتهى. وروى الشيخان عن أبي ثعلبة الخشني قال: قالت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال لا تأكلوا فيها إلا إن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها، قال في سبل السلام: استدل به على نجاسة آنية أهل الكتاب وهل هو لنجاسة رطوبتهم أو لجواز أكلهم الخنزير وشربهم الخمر أو للكراهة، ذهب إلى الأول القائلون بنجاسة رطوبة الكفار، واستدلوا أيضاً بظاهر قوله تعالى: إنما المشركون نجس، والكتابي يسمى مشركاً إذ قد قالوا (المسيح بن الله) (وعزير بن الله). وذهب الشافعي وغيره إلى طهارة رطوبتهم وهو الحق لقوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، ولأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة، ولحديث جابر عند أحمد وأبي داود: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم ولا يعيب ذلك علينا. وأجيب بأن هذا كان بعد الاستيلاء ولا كلام فيه، قلنا في غيره من الأدلة غنية عنه فمنها ما أخرجه من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير واهالة سنخة فأكل منها. قال في البحر: لو حرمت رطوبتهم لاستفاض بين الصحابة نقل توقيهم لقلة المسلمين حينئذ مع كثرة استعمالاتهم التي لا يخلو منها ملبوساً ومطعوماً، والعادة في مثل ذلك تقضي بالاستفاضة. قال: وحديث أبي ثعلبة إما محمول على كراهة الأكل في آنيتهم للاستقذار لا لكونها نجسة إذ لو كانت نجسة لم يجعله مشروطاً بعدم وجدان غيرها، إذ الإناء المتنجس بعد إزالة نجاسته هو وما لم يتنجس على سواء ولسد ذريعة المحرم، أو لأنها نجسة بلفظ. إنا نجاوز أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها لحديث، وحديثه الأول مطلق وهذا مقيد بآنية يطبخ فيها ما ذكر ويشرب فيحمل المطلق على المقيد، وأما الاَية فالنجس لغة المستقذر فهو أعم من المعنى الشرعي، وقيل معناه ذو نجس لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، ولأنهم يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم، وبهذا يتم الجمع بين هذا وبين آية المائدة والأحاديث الموافقة حكمها، وآية المائدة أصرح في المراد انتهى ما في السبل. وقال صاحب المنقى: ذهب بعض أهل العلم إلى المنع من استعمال آنية الكفار حتى تغسل إذا كانوا ممن لا تباح ذبيحته، وكذلك من كان من النصارى بموضع متظاهراً فيه بأكل لحم الخنزير متمكناً فيه أو يذبح بالسن والظفر ونحو ذلك، وأنه لا بأس بآنية من سواهم جمعاً بذلك بين الأحاديث. واستحب بعضهم غسل الكل لحديث الحسن ابن علي قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه انتهى، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في الباب الأول من أبواب الصيد (ونهى عن كل سبع ذي ناب) تقدم شرحه في كتاب الصيد. قوله: (عائذ الله بن عبيد الله) كذا وقع في النسخة الأحمدية عبيد الله مصغراً وهو غلط والصواب عائذ بن عبد الله مكبراً، ووقع في الباب الأول من أبواب الصيد عائذ بن عبد الله مكبراً وهو الصواب. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
قال في المجمع النفل بفتح الفاء وقد تسكن زيادة يخص بها بعض الغزاة وهو أيضاً الغنيمة انتهى. قلت: المراد هنا المعنى الأول. 1564- حدثني محمدُ بن بَشارٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِي، حدثنا سُفْيَانُ عن عبدِ الرحمَنِ بن الحارِثِ عن سليمانَ بن مُوسَى عن مَكْحُولٍ عن أبي سَلاّمٍ عن أبي أُمَامَةَ عن عُبَادَةَ بن الصّامِتِ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُنَفّلُ في البَدْأَةِ الرّبُعَ، وفي القُفُولِ الثّلُثَ". وفي البابِ عن ابن عباسٍ وحَبيبِ بن مَسْلَمَةَ ومَعْنِ بنِ يزيدَ وابن عُمَرَ وسَلَمَةَ بن الأكْوعِ. وحديثُ عُبَادَةَ حديثٌ حسنٌ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي سَلاّمٍ عن رَجُلٍ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. حدثنا هَنّادٌ، حدثنا ابن أبي الزّنَادِ عن أبيهِ عن عُبَيْدِ الله بن عبدِ الله بن عُتْبَةَ عن ابن عباسٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم تَنَفّلَ سَيْفَهُ ذَا الفَقَارِ يومَ بَدْرٍ وهو الذي رَأَى فيهِ الرؤيَا يَوْمَ أُحُدٍ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. إنّمَا نَعْرِفُهُ من هذا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ أبي الزّنَاد. وقد اختلَفَ أهْلُ العِلْمِ في النّفلِ مِنَ الْخُمُس، فقالَ مالكُ بن أنَسٍ: لَمْ يَبلُغنِي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَفّلَ في مَغَازِيِه كُلّهَا، وقد بَلَغَنِي أنّهُ نَفّلَ في بَعْضِهَا وإنّمَا ذلِكَ على وَجْهِ الاجْتِهَادِ مِنَ الإمَامِ في أوّلِ المَغْنَمِ وآخِرِهِ.
قال ابنُ مَنْصُورٍ: قلت: لأحمد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَفّلَ إذا فَصَل بالرّبُعِ بعدَ الْخُمسِ، وإذا قَفل بالثلُثِ بعدَ الخُمسِ، فقال يُخْرِجُ الْخُمُسَ ثُمّ يُنَفّلُ ممّا بَقِيَ ولا يُجَاوِزُ هذا. قال أبو اسحق وهذا الحديثُ على ما قال ابنُ المسَيّبِ: النّفْلُ مِنَ الْخُمُسِ. قال إسحاقُ: كما قَالَ. قوله: (عن أبي سلام) بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة اسمه ممطور الأسود الحبشي ثقة يرسل من الثالثة. قوله: (كان ينفل) من التنفيل (في البدأة) بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة (الربع) أي ربع الغنيمة (وفي القفول) أي الرجوع (الثلث) أي ثلث الغنيمة، وفي رواية أحمد كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع وإذا أقبل راجعاً وكل الناس نفل الثلث. قال الخطابي: البدأة ابتداء السفر للغزو، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا وقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه، فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى. ورواية أحمد المذكورة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو قد أخذ حذره منهم. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وحبيب بن مسلمة ومعن بن يزيد وابن عمر وسلمة بن الأكوع) أما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه. وأما حديث حبيب بن مسلمة فأخرجه أحمد وأبو داود عنه مرفوعاً بلفظ: نفل الرابع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته. وأما حديث معن بن يزيد فأخرجه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي ولفظه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان. وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود. قوله: (حديث عباده حديث حسن، وأخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان. قوله: (تنفل سيفه) أي أخذه زيادة عن السهم (ذا الفقار) بفتح الفاء والعامة يكسرونها كذا في المنتقى وهو بدل من سفيه (وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد) قال التوربشتي: والرؤيا التي رأى فيه أنه رأى في منامه يوم أحد أنه هز ذا الفقار فانقطع من وسطه ثم هزه هزة أخرى فعاد أحسن مما كان، وقيل الرؤيا هي ما قاتل فيه: رأيت في ذباب سيفي ثلثاً فأولته هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة الحديث. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجه. قوله: (فقال يخرج الخمس ثم ينفل مما بقي الخ) قال الشوكاني: اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة، أو من الخمس، أو من خمس الخمس، أو مما عدا الخمس على أقوال: ثم بسط الكلام فيه هذا الباب.
1565- حدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مالِكُ بنُ أنَسٍ عن يحيَى بن سَعِيدٍ عن عُمرَ بن كَثِيرٍ بن أفْلَحَ عن أبي محمدٍ مَوْلى أبي قَتَادَةَ عن أبي قَتَادَةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ". قال أبو عيسى وفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ. حدثنا ابنُ أبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ، عن يحيى بن سَعيدٍ بهذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ. وفي البابِ عَن عَوْفِ بن مالِكٍ وخَالِدِ بن الوَلِيدِ وأنَسٍ وَسَمُرَةَ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأبو محمدٍ هو نافِعٌ مَوْلَى أبي قَتَادَةَ والعَمَلُ على هذا عندَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهِم، وهو قَوْلُ الأوْزَاعِيّ والشافعيّ وأحمدَ. وقال بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ: للإمَامِ أنْ يُخْرِجَ مِنَ السّلَبِ الْخُمُسَ. وقال الثّوْرِيّ النّفْلُ أن يقولَ الإمامُ: مَنْ أصَابَ شيئاً فَهُوَ لَهُ، ومَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ فيهِ الْخُمُسُ وقالَ إسحاقُ: السّلَبُ للقَاتِلِ إلاّ أنْ يَكُونَ شيئاً كثِيراً فَرَأى الإمَامُ أنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الْخُمُسَ كما فَعَلَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ. قوله: (عن عمر بن كثير بن أفلح) المدني مولى أبي أيوب ثقة من الرابعة (عن أبي محمد مولى أبي قتادة) اسمه نافع قال في التقريب نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة، أبو محمد الأقرع المدني مولى أبي قتادة، قيل له ذلك للزومه، وكان مولى عقيلة العقارية ثقة من الثالثة. قوله: (من قتل قتيلاً) وفي رواية من قتل كافراً أي لمن قتل (عليه) أي على قتل القتيل (فله) أي لمن قتل (سلبه) بالتحريك: هو ما يوجد مع المحارب، من ملبوس وغيره عند الجمهور. وعن أحمد لا تدخل الدابة. وعن الشافعي يختص بأداة الحرب. قوله: (وفي الحديث قصة) رواها الشيخان في صحيحهما. قوله: (وفي الباب عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد وأنس وسمرة). أما حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد فأخرجه مسلم، ففيه عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد. أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال بلى: وعن عوف وخالد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب، رواه أحمد وأبو داود رضي الله عنهما. وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث سمرة فلينظر من أخرجه. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد) ذهب الجمهور إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلاً فله سلبه أم لا. واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة هذا، وهو الظاهر (وقال بعض أهل العلم: للإمام أن يخرج من السلب الخمس) روى عن مالك أنه يخير الإمام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه، واختاره القاضي إسماعيل قاله في النيل (وقال الثوري: النفل أن يقول الإمام: من أصاب شيئاً فهو له، ومن قتل قتيلاً فله سلبه). قال الشوكاني: وذهب العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا أن شرط له الإمام ذلك (وقال إسحاق السلب للقاتل إلا أن يكون شيئاً كثيراً فرأى الإمام أن يخرج منه الخمس كما فعل عمر بن الخطاب) احتج القائلون بتخميس السلب لعموم قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) الاَية، فإنه لم يستثن شيئاً. واستدل من قال إنه: لا خمس فيه لحديث عوف بن مالك وخالد المذكور وجعلوه مخصصاً لعموم الاَية.
1566- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا حَاتِمُ بنُ إسماعيلَ عن جَهْضَم بن عبدِ الله عن محمدِ بن إبراهيمَ عن محمدِ بن زَيْدٍ عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قال: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن شِرَاءِ المَغَانِمِ حَتّى تُقْسَم". وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى وهذا حديثٌ غريبٌ. قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء المغانم حتى تقسم) أي عن بيعها واشترائها حتى تقسم. قال القاري: قال القاضي: المقتضى للنهي عدم الملك عند من يرى أن الملك يتوقف على القسمة، وعند من يرى الملك قبل القسمة المقتضى له الجهل بعين المبيع وصفته إذا كان في المغنم أجناس مختلفة انتهى. وتبعه ابن الملك وغيره من علمائنا يعني الحنفية. قال المظهر: يعني لو باع أحد من المجاهدين نصيبه من الغنيمة لا يجوز لأن نصيبه مجهول، ولأنه ملك ضعيف يسقط بالأعراض، والملك المستقر لا يسقط بالأعراض انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) لينظر من أخرجه. قوله: (وهذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجه، والحديث ضعيف، فإن في سنده محمد بن إبراهيم الباهلي البصري، قال أبو حاتم مجهول، وأيضاً في سنده محمد بن زيد العبدي، قال في التقريب لعله ابن أبي القموس وإلا فمجهول.
الحبالى بفتح الحاء المهملة جمع الحبلى، والسبايا جمع سبية. 1567- حدثنا محمدُ بن يَحْيى النّيْسَابُورِيّ، حدثنا أبو عَاصِمٍ النّبِيلُ عن وَهْبٍ أبي خَالِدٍ قال: حدّثَتْنِي أُمّ حَبَيبَةَ بنتِ عِرباضِ بن سَارِيَةَ أنّ أباهَا أخْبَرَهَا: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُوطأ السّبَايَا حَتّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنّ". قال أبو عيسى وفي البابِ عن رُوَيفعِ بن ثابتٍ. وحديثُ عِرْبَاضٍ حديثٌ غريبٌ. والعَمَلُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ. وقال الأوْزَاعِيّ: إذا اشْتَرَى الرّجُلُ الجَارِيَةَ مِنَ السّبْيِ وهي حَامِلٌ، فقد رُوِيَ عن عُمرَ بن الخطّابِ أنه قال: لا تُوَطأُ حَامِلٌ حتى تَضَعَ. قال: الأوْزَاعِيّ: وأما الحَرَائِرُ فَقَدْ مَضَت السّنّةُ فِيهِنّ بأنْ أُمِرْنَ بالعِدّةِ. كُلّ هذا حَدّثَنِي عليّ بن خَشْرَمٍ قال حدثنا عيسى بن يُونُسَ عن الأوْزَاعِيّ. قوله: (حدثتني أم حبيبة بنت عرباض بن سارية) قال في التقريب مقبولة من الثالثة (نهى أن توطأ السبايا حتى يضعن ما في بطونهن) فيه دليل على أن يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبيه إذا كانت حاملاً حتى تضع حملها: وروى أبو داود وأحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة، وفيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبيه إذا كانت حاملاً حتى تستبرئ بحيضة. وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والحنفية والثوري والنخعي ومالك، وظاهر قوله ولا غير حامل أنه يجب الاستبراء للبكر، ويؤيده القياس على العدة، فإنها تجب مع العلم براءة الرحم. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها، وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها. وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري عنه، ثم ذكر الشوكاني: مؤيدات لهذا القول، ثم قال: ومن القائلين بأن الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب: أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن تيمية وابن القيم، ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلي والمغربي والأمير وهو الحق، لأن العلة معقولة، فإذا لم توجد مئنة كالحمل ولا مظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء. والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حق الصغيرة، وكذا في حق البكر والاَيسة، ليس عليه دليل انتهى كلام الشوكاني. قوله: (وفي الباب عن رويفع) بالتصغير. وأخرج حديثه أحمد والترمذي وأبو داود عنه مرفوعاً: من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فلا يسقى ماءه ولد غيره، وزاد أبو داود: من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فلا يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها، وفي لفظ: من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض. رواه أحمد. قوله: (وحديث عرباض حديث غريب) وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث علي بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبريء بحيضة، وفي إسناده ضعف وانقطاع. قوله: (قال حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي سكن الشام، روى عن الأوزاعي وخلق وعنه علي بن خشرم وخلق قال في حاشية الأحمدية، وفي نسخة صحيحة علي بن يونس قلت: هذا غلط والصواب عيسى بن يونس.
1568- حدثنا محمودُ بن غَيْلانَ، حدثنا أبو داودَ الطّيَالِسِيّ عن شُعْبَةَ أخْبَرَنِي سِمَاك بن حَرْبٍ. قال سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بنَ هلْبٍ يُحَدّثُ عن أبيهِ قال: سَأَلْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن طَعَامِ النّصَارَى، فقال: "لا يَتَخَلّجَنَ في صَدْرِكَ طَعَامٌ ضَارعت فيهِ النّصْرَانِيّةَ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ. قال محمودٌ: وقال عُبَيْد الله بن موسى عن إسْرَائِيلَ عن سِمَاكٍ عن قَبِيصَةَ عن أبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثلَهُ. قال محمودٌ: وقال وَهْبُ بن جَرِيرٍ عن شُعْبَةَ عن سِمَاكٍ عن مُرّيّ بن قَطَرِي عن عَدِيّ بن حَاتِمٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثلَهُ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ مِنَ الرّخْصَةِ في طعامِ أهلِ الكِتابِ. قوله: (سمعت قبيصة بن هلب) بضم الهاء وسكون اللام (قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى)، وفي رواية سأله رجل فقال إن من الطعام طعاماً أتحرج منه، كذا في المشكاة (لا يتخلجن في صدرك طعام) وفي رواية شيء مكان طعام، ويتخلجن بالخاء المعجمة، قال التوربشتي: يروى بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة فمعناه بالمهملة لا يدخلن قلبك منه شيء فإنه مباح نظيف، وبالمعجمة لا يتحركن الشك في قلبك انتهى. وقال في المجمع: أصل الاختلاج الحركة والاضطراب (ضارعت فيه النصرانية) أي شابهت لأجله أهل الملة النصرانية من حيث امتناعهم إذا وقع في قلب أحدهم إنه حرام أو مكروه، وهذا في المعنى تعليل النهي. والمعنى لا تتحرج، فإنك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية فإنه من دأب النصارى وترهيبهم. وقال الطيبي: هو جواب شرط محذوف، والجملة الشرطية مستأنفة لبيان الموجب، أي لا يدخلن في قلبك ضيق وحرج لأنك على الحنيفية السهلة السمحة، فإنك إذا شددت على نفسك بمثل هذا شابهت فيه الرهبانية، فإن ذلك دأبهم وعادتهم، قال تعالى: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) الاَية. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود (قال محمود) هو ابن غيلان (عن مري) بضم الميم وتشديد الراء المكسورة (قطري) بفتح القاف والطاء. قال في التقريب: مري بلفظ النسب ابن قطري بفتحتين وكسر الراء مخففاً الكوفي مقبول من الثالثة انتهى، قلت: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا يعرف، تفرد عنه سِمَاك. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم من الرخصة في طعام أهل الكتاب) قد ذكر الترمذي في الباب لفظ طعام المشركين وليس في الحديث ذكر المشركين فالظاهر أنه حمل المشركين على أهل الكتاب في هذا الباب والله تعالى أعلم.
1569- حدثنا عُمرُ بنُ حَفْصٍ بن عمر الشّيْبَانِيّ، أخبرنا عبدُ الله بنُ وَهْبٍ أخْبَرَنِي حُيَي عن أبي عبدِ الرحمَنِ الْحُبُلِيّ عن أبي أيوبَ قال: سَمِعْتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ فَرّقَ بين وَالِدَةٍ وَوَلَدِها فَرّقَ الله بَيْنَهُ وبين أحِبّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قال أبو عيسى وفي الباب عن عليّ. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغيرِهم كَرِهُوا التّفْرِيقَ بينَ السّبْيِ بين الْوَالِدَةِ وَوَلَدِها، وبين الْوَلَدِ والْوَالِدِ، وبين الاْخْوَةِ. قوله: (أخبرني حي) بضم أوله ويائين من تحت الأول مفتوحة ابن عبد الله بن شريح المعافري المصري صدوق يهم من الثالثة. قوله: (من فرق بين والدة وولدها) أي بما يزيل الملك (فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) قال المناوي: التفريق بين أمة وولدها بنحو بيع حرام، قبل التمييز عند الشافعي، وقبل البلوغ عند أبي حنيفة. قوله: (وفي الباب عن عليَ) أخرجه الترمذي في باب كراهية أن يفرق بين الأخوين من كتاب البيوع. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والحاكم في المستدرك، وقال صحيح وتعقب قاله المناوي، وتقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في الباب المذكور وتقدم الكلام في هذه المسألة هناك.
1570- حدثنا أبو عُبَيْدَةَ بن أبي السّفَرِ، واسْمُهُ أحمدُ بنُ عبدِ الله الْهَمَدَانِيّ و محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، قالا حدثنا أبو داوُدَ الْحَفْرِيّ، حدثنا يَحْيى بنُ زكريّا بنُ أبي زائدةَ عن سُفْيَانَ بنِ سعيدٍ عن هِشَامٍ عن ابنِ سيرينَ عن عُبَيْدَةَ عن عليّ أنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ جِبْرائيل هَبَطَ عليهِ فقال له: خَيّرْهُمْ- يَعْني أصحابَك- في أسارَى بَدْرٍ، القتلَ أو الفِدَاء عَلَى أن يُقْتَلَ منهم قابلاً مثلَهم، قالوا: الفِدَاءَ ويُقْتَلُ مِنّا. وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وأنَسٍ وأبي بَرَزَةَ وجُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِن حديثِ الثّوْرِيّ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِن حَديثِ ابنِ أبِي زَائِدَةَ. وَرَوَى أبو أُسَامَةَ عن هِشَامٍ عن ابنِ سِيرِينَ عن عُبَيْدَةَ عن علي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحوَهُ. ورَوَى ابنُ عَونٍ عن ابنِ سِيرِينَ عن عُبَيْدَةَ عن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً. وأبو داود الحَفرِيّ اسْمُهُ عُمرُ بنُ سَعْدٍ. 1571- حدثنا ابنُ أبي عُمرَ حدثنا سُفْيَانُ حدثنا أيّوبُ عن أبِي قِلاَبَةَ عن عَمّهِ عن عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَدَى رجُلَيْنِ مِن المسلمينَ برَجُلٍ مِنَ المشرِكينَ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَعَمّ أبِي قِلاَبَةَ هو أبو المهَلّبِ واسْمُهُ عبدُ الرحمَنِ بن عَمْرٍو، ويُقَالُ مُعاوِيةُ بنُ عَمْرٍو. وأبو قِلاَبَةَ اسْمُهُ عبدُ الله بنُ زَيْدٍ الجَرْمِيّ. والعملُ على هذا عِنْدَ أكثرِ أهلِ الْعِلْمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أنّ للإمامِ أنْ يَمُنّ على مَن شَاءَ مِنَ الأُسارَى، ويَقتُل مَن شَاءَ مِنهم، وَيَفْدِي مَنْ شَاءَ، واخْتَارَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ القتلَ على الفِدَاءِ. وقال الأوْزَاعِيّ: بَلَغَنِي أنّ هذِهِ الاَيَةَ منْسُوخَةٌ: قوله تعالى: {فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَاءً} نَسَخَتْها {فَاقْتُلُوهُم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم}. حدثنا بذلك هَنّادٌ حدثنا ابنُ المباركِ عن الأوْزَاعِيّ. قال إسحاقُ بن منصُورٍ: قلتُ لأحمدَ: إذا أُسِرَ الأَسِيرُ يُقْتَلُ أو يُفَادَى أحَبّ إليكَ؟ قال إن قدروا أن يفادوا فليس له بأس، وان قتل فلا أعلم به بأساً. قال إسحاقُ: الإثْخَانُ أحَبّ إلَيّ إلاّ أنْ يَكُونَ مَعْرُوفاً فأطْمعُ بهِ الكثِيرَ. قوله: (هبط عليه) أي نزل عليه. (فقال) أي جبريل (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (خيرهم) بصيغة الأمر من التخيير (يعني أصحابك) أي يريد بالضمير أصحابك، وهذا التفسير إما من عليّ أو ممن بعده من الرواة. والمعنى: قل لهم أنتم في أسارى بدر (القتل أو الفداء) بالنصب فيهما أي فاختاروا القتل أو الفداء. والمعنى أنكم مخيرون بين أن تقتلوا أسارى، ولا يلحقكم ضرر من العدو وبين أن تأخذوا منهم الفداء. (على أن يقتل منهم) أي من الصحابة (قابل) كذا وقع في بعض النسخ وفي بعضها قبل بالتنوين وهو الظاهر (مثلهم) يعني بعدهم من يتطور منهم، يكون الظفر للكفار فيها، وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون (قالوا) أي الصحابة (الفداء) أي اخترنا الفداء (ويقتل منا) بالنصب بإضمار أن بعد الواو العاطفة على الفداء، أي وأن يقتل منا في العام المقبل مثلهم، قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة بالرفع فيهما أي اختيارنا فداءهم وقتل بعضنا بقتل من المسلمين يوم أحد مثل ما اقتدى المسلمون منهم يوم بدر، وقد قتل من الكفار يومئذ سبعون وأسر سبعون. قال تعالى: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثلها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) وإنما اختاروا ذلك رغبة منهم في إسلام أسارى بدر، وفي نيلهم درجة الشهادة في السنة القابلة وشفقة سنهم على الأسارى بمكان قرابتهم منهم. قال التوربشتي: هذا الحديث مشكل جداً لمخالفته ما يدل على ظاهر التنزيل، ولما صح من الأحاديث في أمر أسارى بدر، أن أخذ الفداء كان رأياً رأوه فعوتبوا عليه، ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليه، وقد قال الله تعالى: (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) إلى قوله (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) وأظهر لهم شأن العاقبة بقتل سبعين منهم بعد غزوة أحد عند نزول قوله تعالى: (وأما لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها). وممن نقل عنه هذا التأويل، من الصحابة علي رضي الله تعالى عنه، فلعل علياً ذكر هبوط جبريل في شأن نزول هذه الاَية، وبيانها فاشتبه الأمر فيه على بعض الرواة. ومما جرأنا على هذا التقرير سوى ما ذكرناه هو أن الحديث تفرد به يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان من بين أصحابه فلم يروه غيره، والسمع قد يخطيء، والنسيان كثيراً يطرأ على الإنسان، ثم إن الحديث يروى عنه متصلاً وروى عن غيره مرسلاً، فكان ذلك مما يمنع القول لظاهره: قال الطيبي: أقول وبالله التوفيق: لا منافاة بين الحديث والاَية، وذلك أن التخيير في الحديث وارد على سبيل الاختيار والامتحان ولله أن يمتحن عباده بما شاء، امتحن الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) الاَيتين، وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) وامتحن الناس بالملكين، وجعل المحنة في الكفر والإيمان بأن يقبل العامل تعلم السحر فيكفر، ويؤمن بترك تعلمه، ولعل الله تعالى امتحن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين أمرين القتل والفداء، وأنزل جبريل عليه السلام بذلك، هل هم يختارون ما فيه رضا الله تعالى من قتل أعدائه أم يؤثرون العاجلة من قبول الفداء، فلما اختاروا الثاني عوقبوا بقوله تعالى: (ما كان لنبيّ أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض). قال القاري بعد ذكر هذا الكلام ما لفظه: قلت بعون الله إن هذا الجواب غير مقبول لأنه معلول ومدخول، فإنه إذا صح التخيير لم يجز العتاب والتعبير فضلاً عن التعذيب والتعزير، وأما ما ذكره من تخيير أمهات المؤمنين، فليس فيه أنهم لو اخترن الدنيا لعذبن في العقبى، ولا في الأولى، وغايته أنهن يحرمن من مصاحبة المصطفى لفساد اختيارهن الأدنى بالأعلى. وما قضية الملكين، وقضية تعليم السحر، فنعم امتحان من الله وابتلاء، لكن ليس فيه تخيير لأحد، ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أنه أمر تهديد لا تخيير. وأما قوله: أم يؤثرون الأعراض العاجلة من قبول الفدية فلما اختاروه عوقبوا بقوله (ما كان لنبيّ) الاَية، فلا يخفى ما فيه من الجرأة العظيمة والجناية الجسيمة، فإنهم ما اختاروا الفدية لا للتقوية على الكفار، وللشفقة على الرحم، ولرجاء أنهم يؤمنون، أو في أصلابهم من يؤمن. ولا شك أن هذا وقع منهم اجتهاداً وافق رأيه صلى الله عليه وسلم، غايته أن اجتهاد عمر وقع أصوب عنده تعالى، فيكون من موافقات عمر رضي الله عنه، ويساعدنا ما ذكره الطيبي، من أنه يعضده سبب النزول، روى مسلم والترمذي عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم، أنهم لما أسروا الأسارى يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله بنو العمم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا، فنضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أثمة الكفر وصناديده، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي وصاحبك؟ فقال أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة، وأنزل الله تعالى الاَية انتهى. قال القاري: ويمكن أن يقال جمعاً بين الاَية والحديث أن اختيار الفداء منهم أولاً كان بالإطلاق ثم وقع التخيير بعده بالتقييد والله أعلم. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي برزة وجبير بن مطعم) أما حديث ابن مسعود، فأخرجه أبو داود، وأما حديث أنس، فأخرجه مسلم، وأما حديث أبي برزة، فلينظر من أخرجه، وأما حديث جبير بن مطعم، فأخرجه البخاري. قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) قال الطيبي: قول ابن حبان هذا حديث غريب لا يشعر بالطعن فيه، لأن الغريب قد يكون صحيحاً انتهى. قال القاري: وقد يكون ضعيفاً فيصلح للطعن في الجملة انتهى. قلت: الأمر كان قال الطيبي. قوله: (أبو داود الحفري) بفتح الحاء المهملة والفاء وبالراء نسبة إلى موضع بالكوفة (اسمه عمر بن سعد) بن عبد ثقة عابد من التاسعة. (فدي رجلين من المسلمين برجل من المشركين) زاد في رواية أحمد من بني عقيل. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأخرجه مسلم مطولاً. قوله: (وعم أبي قلابة هو أبو المهلب) بضم الميم وفتح الهاء وباللام المشددة المفتوحة الجرمي البصري (واسمه عبد الرحمن بن عمر الخ ثقة من الثانية). قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال الشوكاني في النيل: مذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين. وقال الزهري ومجاهد وطائفة: لا يجوز أخذ الفداء من الكفار أصلاً. وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير من المن والفداء. وعن مالك: لا يجوز المن بغير فداء. وعن الحنفية: لا يجوز المن أصلاً لا بفداء ولا بغيره. قال الطحاوي: وظاهر الاَية يعني قوله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء} حجة للجمهور، وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة. وقال أبو بكر الرازي: احتج أصحابنا لكراهية فداء المشركين بالمال، بقوله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق} الاَية، ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس: والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وسلم المن وأخذ الفداء، ووقع منه القتل، فإنه قتل النضر ابن الحارث وعقبة بن معيط وغيرهما، ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين، قال: وقد ذهب إلى جواز فك الأيسر من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين.
1572- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمرَ أخَبَرَهُ "أنّ امْرَأَةً وُجِدَتْ في بعضِ مَغَازِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً فأَنكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلكَ، ونهَى عن قَتْلِ النّسَاءِ والصّبْيَانِ". وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَرَبَاحٍ، ويقالُ رَبَاحُ بنُ الرّبِيعِ والأسودِ بن سَرِيعٍ وابنِ عبّاسٍ والصّعْبِ بن جَثامَةَ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلم مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهم كَرِهُوا قَتْلَ النّسَاءِ وَالوِلْدَان. وهو قولُ سُفيانَ الثّوْرِيّ والشافعيّ. ورخّصَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ في البَيَاتِ وَقتلِ النّسَاءِ فيهم والوِلْدَانِ، وهو قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ، ورَخّصَا فِي البَيَاتِ. 1573- حدثنا نَصْرُ بنُ علي الْجَهْضَمِيّ حدثنا سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله عن ابنِ عباسٍ قال: أخبَرَنِي الصّعْبُ بنُ جَثّامَةَ قال: "قلتُ يَا رسولَ الله إنّ خَيْلَنَا أوْطئتْ مِن نِسَاءِ المُشرِكينَ وأوْلاَدِهِم، قال: هُمْ مِنْ آبائِهم". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (ونهى عن قتل النساء والصبيان) قال ابن الهمام: ما أظن إلا أن حرمة قتل النساء والصبيان إجماع. وعن أبي بكر أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام وقال لا تقتلوا الولدان، ولا النساء ولا الشيوخ الحديث، قال: لكن يقتل من قاتل من كل من قلنا إنه لا يقتل كالمجنون والصبي والمرأة والشيوخ والرهبان إلا أن الصبي والمجنون يقتلان في حال قتالهما، أما غيرهما من النساء والرهبان ونحوهم فإنهم يقتلون إذا قاتلوا بعد الأسر، والمرأة الملكة تقتل وإن لم تقاتل، وكذا الصبي الملك والمعتوه الملك، لأن في قتل الملك كسر شوكتهم كذا في المرقاة، قلت: في بعض كلام ابن الهمام هذا تأمل فتأمل. قوله: (وفي الباب عن بريدة ورباح ويقال رباح بن الربيع) قال الحافظ في الفتح: رباح بكسر الراء المهملة بعدها تحتانية، وقال المنذري بالياء الموحدة، ويقال بالياء التحتانية، ورجح البخاري أنه بالموحدة (والأسود بن سريع وابن عباس والصعب ابن جثامة) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم، وإما حديث رباح فأخرجه أحمد وأبو داود. وأما حديث الأسود بن سريع فأخرجه أحمد. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وفيه: ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع. وأما حديث الصعب بن جثامة فأخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ) قال الشوكاني: أحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان، وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي، فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم، وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المختلفة فقالوا: إذا قاتلت راجع الأصل المرأة جاز قتلها، إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل، أو قصدت إليه: ويدل على ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي، فما رأت الهزيمة فيما أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن أرطأة وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري. ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في استبقائهم جميعاً من الانتفاع إما بالرق أو الفداء فيمن يجوز أن يفادي به انتهى (ورخص بعض أهل العلم في البيات) بفتح الموحدة هو الغارة بالليل (وقتل النساء فيهم) أي في الكفار (والولدان) عطف على النساء (وهو قول أحمد إسحاق رخصاً في البيات). قال الحافظ في الفتح قال أحمد: لا بأس في البيات ولا أعلم أحداً كرهه انتهى. قوله: (أخبرني الصعب بن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي صحابي عاش إلى خلافة عثمان. قوله: (هم من آبائهم) وفي رواية البخاري: هم منهم، قال الحافظ أي في الحكم تلك الحالة، فليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الاَباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي، وزاد أبو داود قال الزهري: ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان كذا في المنتقى. قال الشوكاني: استدل به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقاً انتهى. قال وهذه الزيادة أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ: وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني أبي بن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان. وأخرجه أيضاً ابن حبان مرسلاً كأبي داود، قال في الفتح: وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب انتهى.
1574- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن بُكَيْرٍ بنِ عبدِ الله عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: "بَعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْثٍ، فقال: إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً لِرَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ فأحْرِقُوهُمَا بِالنّارِ، ثم قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ: إنّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تحرِقُوا فُلاناً وفلاناً بالنّارِ، وإنّ النّارَ لا يُعَذّبُ بها إلاّ الله، فإن وَجَدْتُمُوهما فَاقْتُلُوهُمَا". وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأسْلَمِيّ. قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ أهل العِلْمِ. وقد ذكَرَ محمدُ بن إسحاقَ بَيْنَ سُلَيْمانَ بن يَسَارٍ وبَيْنَ أبي هُرَيْرَةَ رجلاً في هذا الحديثِ. ورَوَى غَيْرُ واحِدٍ مِثْلَ رِوَايَةِ اللّيْثِ. وحديثُ اللّيْثِ بنِ سَعْدٍ أَشْبَهُ وَأَصَحّ. قوله: (في بعث) أي في جيش (وإن النار لا يعذب بها إلا الله) هو خبر بمعنى النهي. وقد اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقاً سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما. قال المهلب: ليس هذا النهي عن التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم، أعين العرنيين بالحديد، وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة وحرق خالد بن الوليد ناساً من أهل الردة، وكذلك حرق علي. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود.
قال المنذري في الترغيب: الغلول هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصاً به ولا يحضره إلى أمير الجيش ليقسمه بين الغزاة، سواء قل أو كثر، وسواء كان الاَخذ أمير الجيش أو أحدهم. واختلف العلماء في الطعام والعلوفة ونحوهما اختلافاً كثيراً انتهى. وقال الجزري في النهاية: الغلول الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل، وسميت غلولاً لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة، مجعول فيها غل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه ويقال لها جامعة أيضاً انتهى 1575- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن قَتَادَةَ عن سالمِ بنِ أبي الْجَعْدِ عن ثَوْبَانَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن ماتَ وهو بَرِيءٌ مِن ثلاثٍ الكِبْرِ والغُلُولِ والدّيْنِ دَخَلَ الْجَنّةَ". وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ. 1576- حدثنا محمدُ بنِ بَشّارٍ حدثنا ابن أبي عَدِي عن سعيدٍ عن قَتَادَةَ عن سَالِمِ بنِ أبي الْجَعْدِ عن مَعْدَانَ بن أبي طَلْحَةَ عن ثَوْبَانَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ فَارَقَ الرّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَريءٌ مِنْ ثَلاَثٍ: الكَنْز وَالغُلُولِ والدّيْنِ دَخَلَ الجَنّةَ" هكذا. قال سَعيدٌ: الكَنْزَ، وقال أبو عَوَانَةَ في حديثِهِ: الكِبْرَ، ولمْ يذكر فيه عن مَعْدَانَ. ورِوَايَةُ سَعيدٍ أصَحّ. 1577- حدثنا الحسَنُ بنُ عليّ حدثنا عبدُ الصّمَدِ بنُ عبدِ الوارِثِ حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ حدثنا سِمَاكٌ أبو زُمَيْلٍ الحَنَفِيّ قال: سَمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ حدثني عُمَرُ بنُ الخطابِ قال: "قِيلَ يَا رسولَ الله إنّ فُلاَناً قد اسْتُشْهِدَ، قال: كَلاّ قد رَأَيْتُهُ في النّارِ بِعَبَاءَةٍ قد غَلّها، قال: قُمْ يَا عليّ فنَادِ أنّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنّةَ إلاّ المؤمِنون ثلاثاً". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. قوله: (وهو بريء من الكبر) بكسر الكاف وسكون الموحدة وبالراء (والدين) بفتح الدال المهملة وسكون التحتانية (دخل الجنة) يفهم منه أن من مات وهو ليس بريئاً من هذه الثلاث لا يدخل الجنة. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان. وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. اعلم أن الترمذي لم يحكم على حديث ثوبان هذا بشيء من الصحة والضعف، وقد صححه الحاكم قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما. قوله: (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (من فارق الروح الجسد) أي من فارق روحه جسده، وكذلك وقع في بعض نسخ الترغيب (الكنز) بفتح الكاف وسكون النون وبالزاي. قال في مجمع البحار لغة المال المدفون تحت الأرض، فإذا أخرج منه الواجب لم يبق كنزاً شرعاً وإن كان مكنوزاً لغة، ويشهد عليه ما ورد: كل ما أديت زكاته فليس بكنز (هكذا قال سعيد: الكنز) يعني بالكاف والنون والزاي (وقال أبو عوانة في حديثه الكبر) يعني بالكاف الموحدة والراء (ورواية سعيد أصح) قال البيهقي في كتابه عن أبي عبد الله يعني الحاكم: الكنز مقيد بالزاي والصحيح في حديث أبي عوانة بالراء. قوله: (حدثنا سِمَاك أبو زميل) بضم الزاي المعجمة وفتح الميم مصغراً، وسِمَاك بكسر أوله وتخفيف الميم وهو ابن الوليد اليمامي ليس به بأس من الثالثة (إن فلاناً قد استشهد) بصيغة المجهول أي صار شهيداً (قال كلا) زجر ورد لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد محكوم له بالجنة أول وهلة، بل هو في النار بسبب غلوله (بعباءه) العباء والعباءة ضرب من الأكسية قاله الطيبي، وقال في القاموس العباء كساء كالعباءة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد ومسلم. وأحاديث الباب تدل على تحريم الغلول من غير فرق بين القليل منه والكثير، وقد ورد في حديث أبي هريرة عند مسلم: لا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن. ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر، وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه.
1578- حدثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصّوّافُ حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عن ثَابِتٍ عن أنَسٍ قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بأُمّ سُلَيْمٍ ونِسْوَةٍ مَعَهَا مِنَ الأنْصَارِ يَسْقِينَ الماءَ، ويُدَاوِينَ الجَرْحَى". قال أبو عيسى وفي البابِ عن الرّبَيّعِ بنْتِ مُعَوّذٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (يسقين الماء ويداوين الجرحى) وفي حديث الربيع نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة، وفي حديث أم عطية عند أحمد ومسلم وابن ماجه قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمنى. وفي هذه الأحاديث دليل على أنه يجوز خروج النساء في الحرب لهذه المصالح. والجهاد ليس بواجب على النساء، يدل على ذلك حديث عائشة عند أحمد والبخاري قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور. قال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج مبرور، وفي رواية البخاري: جهادكن الحج. ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد، وإنما لم يكن واجباً لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد انتهى. قوله: (وفي الباب عن الربيع بنت معوذ) أخرجه أحمد والبخاري. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
|